لقاءات 2024

منذ عقدين من الزمان على الأقل، تحضر السينما الوطنية في كبرى المهرجانات، دليلا ملموسا على
أنها تعيش مرحلة مخاض وتجارب وتطلعات تعد بالكثير والجميل…
إلى جانب الاحتفاء والامتداح الضرورين، نعرض فيما يلي بعض الملاحظات والتساؤلات العامة
الكفيلة بإبراز هذه الظاهرة، بشكل يدل على ما حققته السينما الوطنية من اختراق ونجاح نسبي، بالتأكيد،
ولكنه واقع لا يرتفع..
في سابقة من نوعها في تاريخ المهرجانات السينمائية بالمغرب، ستعرض كل أفلام فوزي بنسعيدي
الطويلة والقصيرة، وستواكبها مائدة مستديرة تضم نقادا وباحثين مدعوين إلى الانكباب على مسار وعالم
فني متفردين ومتعددين. وسينتظم هذا النشاط حول لحظتين، يساهم في إغنائهما مخرج أفلام الحافة
1999 ( ويا له من عالم رائع ) 2006 ( والحائط ) 2000 ( وألف شهر ) 2003 (، بحيث سيشكل عرض هذه (
الأعمال بتزامن مع تقديم أفلام طويلة من فئة سينما المؤلف مناسبة لاستخلاص أوجه القوة والإبداع
في أعمال ما زالت ترسم معالمها الفنية يوما عن يوم..
يحيل أحد أقدم أصدقاء مهرجان السينما المتوسطية بتطوان، جان ميشيل فرودون، في آخر مؤلفاته
« » السينما واختبار المتنوع: سياسات النظرة ) 2021 (، في علاقة بسياق المغرب وخارجه، إلى اسم نور
الدين الصايل، المدير السابق للمركز السينمائي المغربي، الذي كان يراهن، من موقع المدافع والمنادي
بمشروع كبير جنوب-جنوب، في الوقت نفسه على الكم والكيف، كمحضن لفضاء ثالث ممكن على
« » ، هامش المركز/المراكز، محضن، فيما يخصهم، لسينما التدفقات الصناعية )أولفيي أساياس(. للتذكير
سينما 3 هو اسم المجلة التي أسسها نور الدين الصايل وكان رئيس تحريرها..
ألا يندرج هذا النفس الجديد من التجارب والتطلعات والاستكشافات الذي تشهده السينما الوطنية في
حيز من نمط وطبيعة ما بينية؟ ويبدو لنا أن الإضافات والتحليل الذي يقدمه كتاب جان ميشيل فرودون،
المستند إلى أعمال سينمائية من القارات الخمس، تأخذ مسارا نحو أهداف أكثر صلابة ودقة ورهافة
في اتجاه أجناس سينمائية مكرسة ومهيمنة. ويحيل الرئيس السابق لمجلة دفاتر السينما، في مقاربته
المحايثة لطبيعة النقائص التي تعاني منها سينما الجنوب، وفي الوقت نفسه للفرص المتاحة لها من
حيث التحرر الجمالي، إلى ذلك الزوج كم/كيف من خلال مثالي نوليوود )النيجر( وبوليود )بومباي(، اللذين
تركا بصماتهما أولا على جمهورهما الوطني ومواطنيهما الموزعين في العالم، ليحيلا على ثنائية ظلت في
« جزئها الأكبر، أغلب الأحيان، غير مكرهة على الارتباط برهانات سينما عالمية، هي أصلا لا توليها اهتماما
ذُُكر. وهذا بالضبط ما يقوم به المروجون لهذه السينما، في إلحاحهم المتواصل على الشعبية الأكيدة ي
للصيغة التي اختاراها، مشيرين بعدها إلى القانون الأثير لديهم، قانون تحول الكم إلى كيف، وهو تحول لا
» ، شيء يدل على وقوعه، سيما أنه لا يشكل رهانا أو أفقا لإنتاجات نوليود . ويحرص جان ميشيل فرودون
فيما هو يسلط الضوء على الكم الهائل من الإنتاجات السينمائية في إفريقيا الأنجلوساكسونية، على
« » » التأكيد أنه رغم غياب رهان وأفق ، يوجد نوع من الالتباس على مستوى العلاقة ب الأجناس السينمائية
التي أثمرت، في ظروف مغايرة، أعمالا عظيمة، وإن كان الانتماء إلى نظام الأجناس لا يشكل أي ضمانة
» لها . ألا يكمن الرهان في العلاقة الإبداعية والمتطورة للأفلام، من بين أمور أخرى، بتلك الأجناس، أي
في نهاية المطاف، علاقة الأفلام بذاتها، وفي الوقت نفسه بجمهورها/جماهيرها هنا وهناك؟

بعد صدور آخر فيلم طويل لفوزي بنسعيدي مؤخرا، بعنوانه الفرنسي الذي يعني حرفيا
الصحارى، وعنوانه الفرعي بالعربية الثلث الخالي، يذكر جان ميشيل فوردون على صفحته
يحول فوزي بنسعيدي، عن طريق مختلف طرائق امتلاك فضاءاته « : بشبكة الإنترنيت
وتصويرها، فيلمه الكوميدي بنبرته الحادة إلى فيلم ويسترن ملحمي، بشاعرية سلسة
ساحرة… دراما حب وانتقام أعمى يجدان في هذه الصحراء التي تشبه تلك التي كانت تعبرها
في البداية سيارة الشابين وتختلف عنها في نفس الوقت، بصمة المخرج وطابعه الخاص،
وتشرع الأبواب لولوج عالم متعدد الأبعاد. وهنا يكمن ثراء هذا النوع المتميز من السينما،
وتشكل العلاقة الثلاثية أساسا بين السينما عند مخرج .» المنفتحة والمكثفة في آن
2022 (: نوع النظرة حول الويسترن، الكوميديا، التراجيديا؛ والذاكرة: الجانب السيرذاتي، (
السينيفيلي، والفضاء. مكانة المدن، الصحارى، وأمكنة أخرى منتقاة بعناية أو مصنوعة
لأغراض التصوير، بؤرة لتوترات حادة ودائمة ‘تفتح السبيل نحو عالم متعدد الأبعاد’. يبدو
أن تقييم جان ميشيل فوردون يصبح أكثر صحة أنه يقارب الفيلم الجديد لفوزي بنسعيدي
في تصاد مع شريطين طويلين، احدهم فنلندي، الأوراق الميتة لآري كوريسماكي والآخر
ثلاثة أفلام، وثلاثة هدايا جميلة، « : فيتنامي، الشجرة ذات الفراشات الذهبية.لفام تيين آن
لا مجال للمقارنة بينها، وبالأحرى المفاضلة بينها. فإضافة إلى تفرد كال واحدة منها،
نجد ذلك العنصر الجديد الإضافي الذي يحمله كل واحد منها، المتمثل في التنوع الذي لا
يتوقعه المتلقي إلا لماما، وقد لا تعد ممثلة نموذجية له، ولكنها على الأقل تحمل سماته
الكبرى.. وهذه الأفلام الثلاثة تشهد مجتمعة على الحيوية العالمية للإبداع السينمائي،
وخاصة إذا لم يتم التركيز فقط، بخلاف ما يفعله أكثر من 90 في المائة من وسائل الإعلام،
وخارج ثنائية شمال/جنوب، المقيدة والخانقة .» على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا
أغلب الأحيان، تمثل هذه الأفلام المعروضة في مهرجان كان جواهر نادرة نسبيا توسع دائرة
الديناميات المعقدة والرهانات الشيقة لكل من يهتم بالحياة الفنية والفكرية للسينما «
حسب تعبير هذا الناقد الذي يقرب بين سينمائيين من آفاق ثقافية مختلفة، ،» العالمية
واضعا أسس مقاربة نقدية كفيلة بإلهام مخرجينا وتوسيع آفاقهم، بأفلامهم التي تشهد
على جهود متواصلة للتكيف مع وطن السينما وتكييفه. وهي أفلام غالبا ما يتعامل معها
تقريبا، مما يمنع من النظر إليها » فردية » و ،» جدالية » و » ظرفية » و » معزولة « ضمن مقاربة
كبؤر لسيرورات أجناسية وموضوعاتية متفردة وجماعية، بهذه الدرجة أو تلك، المشتركة مع
سينمائيين آخرين.
-2 بعض المحاور المقترحة والمداخل الممكنة التي قد يستأنس بها ضيوفنا من نقاد
وباحثين:
-تقييمكم ومقاربتكم لمسار فوزي بنسعيدي؟ تفرد و/أو كونية أفلامه في مجموعها أو
انطلاقا من أحد الأفلام منظورا إليها ككيان مستقل بهذه الدرجة أو تلك؟ تقاطعات حقيقية
للمؤلف، هنا و/أو هناك؟ » السينما الجديدة « و/أو ممكنة لأفلام مخرج ألف شهر مع أنواع
-الواقع الحالي للسينما والأفلام المغربية خلال العشرية الحالية؟
» الرواد « -تقاطعات و/أو اختلافات موضوعاتية وأجناسية وغيرها بين السينمائيين
؟» الشباب » و
-نظرا لغياب شبه مزمن عن قاعات سينمائية وطنية مهيكلة، ما الحال اليوم أمام
المنصات؟ وما هي آفاق الإبداع و/أو التلقي؟
الأجنبية في مجال الإنتاج؟ « -فرص و/أو مخاطر الشراك

في أعقاب لقاء صحفي ينصب على السينما الوطنية في فترة الأزمة الصحية
، العالمية، توقف نور الدين الصايل، رئيس التحرير السابق لمجلة سينما 3
العنوان الذي أشاد به رولاند بارث، في نص الإهداء الذي استهل به دراسته
« » الحاسة السادسة ) 1971 (، عند التجربة السينمائية لإيريك رومر، قرص
مدمج للفيلم الطويل: باولين في الشاطئ ) 1983 (، مشيرا خاصة إلى
» . ‘الميزانية الضئيلة وأفكار من أجل فيلم عظيم ، حسب ما ذكره لمخاطبه
وهي وقفة غير متوقعة نظرا للمكانة شبه المنعدمةالتي يحتلها اسم إيريك
رومر ضمن الأسماء التي يحيل عليها نور الدين الصايل وهو يتناول السينما.
« « » » مع أن هذا المخرج الرائد للموجة الجديدة الفرنسية قد يحتل هنا، فيما
يبدو، مكان نموذج كفيل برفع تحدي سياق يجد فيه الإنتاج الوطني نفسه
عرضة لمخاطر جادة. ويبرز في هذا السياق اسم إيريك رومر كعلامة على طريق
« « » » ممكنة وموثوقة لأي سينما محيطية تبحث عن استقلاليتها . طريق ثالثة
« قادرة على الثبات في وجه مركز أصبح يعيد إنتاج نفسه في شكل دفق
« » صناعي )أوليفيي أساياس(. والسؤال: ما هو مصير عالم قد طردت منه
المصادفة، وبالتالي البركة والمعجزات؟ وهو السؤال الذي طرحه أحد تلامذة
إيريك رومر، المنحدر من كوريا الجنوبية، وهو روشوك هاماغوشي، مخرج
» شريط ذي عنوان دال ‘حكايات المصادفة وشطحات أخرى ) 2023 (. لنلاحظ
أن مفهوم المصادفة قابع في الظل، متخف في ثنايا اللفظة العربية التي
تجمع بين الزهرة والنجمة فينوس، الزهرة أيضا، واللعبة الشهيرة المسماة
ْ رََّْ. ه ز􀇁 ال
« » وأمام أعمال مشكلة من عوالم مص رََّة وزجاجية )جيل دولوز(، يصبح الهدف غ
الأساس للندوة هو دعوة متدخلينا إلى مشاركتنا الطريقة التي يقاربون بها
مكانة وأبعاد تجربة سينمائية فذة تتأرجح بين المركز والمحيط، بين الصناعة
التقليدية، والفن والتقنية، وبين الثقافة والتاريخ والفصول. أليس إيريك
« » » » رومر، بما خلفه من تراث سينمائي كلاسي و معاصر ، رمزا لأحد الرهانات
الكبرى لسينمائيي الجنوب؟